فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {إذ يغشاكم النعاس أمنة} فيه تغليب الحال إلى ضده بأمر التكوين كما قال للنار {كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء: 69] كذلك قال للخوف كن أمنًا على محمد وأصحابه فكان {ينزل عليكم} من سماء الروحانية ماء الإلهام الرباني {ليطهركم به} من دنس الصفات النفسانية والحيوانية {ويذهب عنكم} وساوس الشيطان وهواجسه {وليربط على قلوبكم} بالصدق والإخلاص والمحبة والتوكل واليقين {ويثبت به الأقدام} على طريق الطلب {إني معكم فثبتوا} فيه أن التثبيت من الله لا من غيره، وكذلك إلقاء الرعب في قلوبهم وغير ذلك.
{إذا لقيتم الذين كفروا} إذا لقيتم كفار النفوس وصفاتها مجتمعين على قهر القلوب وصفاتها فلا تنهزموا فتقعوا عن صراط الطلب {إلا متحرفًا} إلا قلبًا يتحرك ليتهيأ لأسباب القتال مع النفس أو راجعًا إلى الاستمداد من الروح وصفاتها أو إلى ولاية الشيخ أو إلى حضرة الله تعالى مستمدًا في قمع النفس وقهرها بطريق المجاهدة فإنها تورث المشاهدة {فلم تقتلوهم} نفى القتل عن الصحابة بالكلية أو حاله إلى نفسه فقال: {ولكن} ولم ينف الرمي عن النبي بالكلية حيث قال: {إذ رميت} لأن الله تعالى كان قد تجلى بالقدرة وكأن يده يد الله كما كان حل عيسى حين تجلى له بصفة الإحياء كان يحيي الموتى {وليبلى المؤمنين منه} فيجتهدوا في متابعته إلى أن يبلغوا هذا المقام {إن تستفتحوا} أي تفتحوا أبواب قلوبكم بمفتاح الصدق والإخلاص وترك ما سوى الله في طلب التجلي {فقد جاءكم الفتح} بالتجلي فأنه تعالى متجل في ذاته أزلًا وأبدًا فلا تغير له وإنما التغير في أحوال الخلق، فهم عند انغلاق أبواب قلوبهم محرومون وعند انفتاح أبوابها محظوظون {وأن تنتهوا} عن طلب غير الله: {فهو خير لكم وأن تعودوا} إلى طلب الدنيا وزخارفها {نعد} إلى خذلانكم ونكالكم ونكلكم إلى أنفسكم ودواعيها {ولن تغني عنكم} لا يقوم شيء من الدنيا والآخرة وما فيهما مقام شيء مما أعدّ لأهل الله وخاصته. اهـ.

.تفسير الآية رقم (20):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان سبب ما أحله بالكفار- من الإعراض عن إجابتهم فيما قصدوا من دعائهم ومن خذلانهم في هذه الوقعة وإيجاب مثل ذلك لهم أبدًا- هو عصيانهم الرسول وتوليهم عن قبول ما يسمعونه منه من الروح؛ حذر المؤمنين من مثل حالهم بالتمادي في التنازع في الغنيمة أو غيرها فقال: {يا أيها الذين آمنوا} أي ادعوا ذلك {أطيعوا الله} أي الذي له جميع العز والعظمة {ورسوله} تصديقًا لدعواكم الإيمان.
ولما كانت طاعة الرسول هي طاعة الله لأنه إنما يدعوه إليه وإنما خلقه القرآن، وحد الضمير فقال: {ولا تولوا عنه} أي عن الرسول في حال من الأحوال، في أمر من الأوامر من الجهاد وغيره، من الغنائم وغيرها، خف أو ثقل، سهل أو صعب {وأنتم} اي والحال أنكم {تسمعون} أي لكم سمع لما يقوله، أو وأنتم تصدقونه، لأن ارتكاب شيء من ذلك يكذب دعوى الإيمان وينطبق على أحوال الكفار، وإلى ذلك إشارة بقوله: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون}. اهـ.

.قال الفخر:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)}
اعلم أنه تعالى لما خاطب المؤمنين بقوله: {إنٍ تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا} [الأنفال: 19] أتبعه بتأديبهم فقال: {يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} ولم يبين أنهم ماذا يسمعون إلا أن الكلام من أول السورة إلى هنا لما كان واقعًا في الجهاد علم أن المراد وأنتم تسمعون دعاءه إلى الجهاد، ثم إن الجهاد اشتمل على أمرين: أحدهما: المخاطرة بالنفس.
والثاني: الفوز بالأموال، ولما كانت المخاطرة بالنفس شاقة شديدة على كل أحد، وكان ترك المال بعد القدرة على أخذه شاقًا شديدًا، لا جرم بالغ الله تعالى في التأديب في هذا الباب فقال: {أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} في الإجابة إلى الجهاد، وفي الإجابة إلى تركه المال إذا أمره الله بتركه والمقصود تقرير ما ذكرناه في تفسير قوله تعالى: {قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول} [الأنفال: 1].
فإن قيل: فلم قال ولا تولوا عنه فجعل الكناية واحدة مع أنه تقدم ذكر الله ورسوله.
قلنا: إنه تعالى أمر بطاعة الله وبطاعة رسوله.
ثم قال: {وَلاَ تَوَلَّوْاْ} لأن التولي إنما يصح في حق الرسول بأن يعرضوا عنه وعن قبول قوله وعن معونته في الجهاد. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ولا تولوا} بالإدغام: البزي وابن فليح.

.الوقوف:

{تسمعون} o ج للآية وللعطف {لا يسمعون} o {لا يعقلون} o {لأسمعهم} ط {معرضون} o {لما يحييكم} ج لعطف المتفقتين مع اعتراض الظرف {تحشرون} o {خاصة} ج لما مر {العقاب} o {تشكرون} o {تعلمون} o {فتنة} لا للعطف {عظيم} o {ويغفر لكم} ط {العظيم} o {أو يخرجوك} ط {ويمكر الله} ط {الماكرين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ}
في أمر الغنيمة والصلح.
{وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ}، يعني لا تعرضوا عن أمره، ويقال عن طاعته، ويقال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ {وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} المواعظ في القرآن وفي أمر الصلح. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ}
ولا تدبروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} أمره وليّه.
قال ابن عباس: وأنتم تسمعون القرآن ومواعظه. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله} الآية.
الخطاب للمؤمنين المصدقين، جدد عليهم الأمر بطاعة الله والرسول ونهوا عن التولي عنه، وهذا قول الجمهور، ويكون هذا متناصرًا مع قول من يقول: إن الخطاب بقوله: {وإن تنتهوا} هو للمؤمنين، فيجيء الكلام من نمط واحد في معناه، وأما على قول من يقول إن المخاطبة ب {إن تنتهوا} هي للكفار فيرى أن هذه الآية إنما نزلت بسبب اختلافهم في النفل ومجادلتهم في الحق وكراهيتهم خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفاخرهم بقتل الكفار والنكاية فيهم، وقالت فرقة: الخطاب بهذه الآية إنما هو للمنافقين والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم فقط.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وإن كان محتملًا على بعد فهو ضعيف جدًا لأجل أن الله وصف من خاطب في هذه الآية بالإيمان، والإيمان التصديق، والمنافقون لا يتصفون من التصديق بشيء، وقيل إن بالفعل المستقبل فحذفت الواحدة، والمحذوفة هي تاء تفعل، والباقية هي تاء العلامة، لأن الحاجة إليها هنا أمس ليبقى الفعل مستقبلًا، وقوله: {وأنتم تسمعون} يريد دعاءه لكم بالقرآن والمواعظ والآيات. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} الخطاب للمؤمنين المصدّقين.
أفردهم بالخطاب دون المنافقين إجلالًا لهم.
جدّد الله عليهم الأمر بطاعة الله والرسول، ونهاهم عن التولِّي عنه.
هذا قول الجمهور.
وقالت فرقة: الخطاب بهذه الآية إنما هو للمنافقين.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم فقط.
قال ابن عطية: وهذا وإن كان محتملًا على بعد فهو ضعيف جدًا؛ لأن الله تعالى وصف من خاطب في هذه الآية بالإيمان.
والإيمان التصديق، والمنافقون لا يتصفون من التصديق بشيء.
وأبعد من هذا من قال: إن الخطاب لبني إسرائيل.
فإنه أجنبيّ من الآية.
قوله تعالى: {وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ} التولي الإعراض، وقال عنه ولم يقل عنهما لأن طاعة الرسول طاعته؛ وهو كقوله تعالى: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62].
{وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} ابتداء وخبر في موضع الحال.
والمعنى: وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم من الحجج والبراهين في القرآن. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله} يعني في أمر الجهاد لأن فيه بذل المال والنفس {ولا تولوا عنه} يعني عن الرسول صلى الله عليه وسلم لأن التولي لا يصح إلا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لا في حق الله تعالى والمعنى لا تعرضوا عنه وعن معونته ونصرته في الجهاد {وأنتم تسمعون} يعني القرآن يتلى عليكم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون}
لما تقدّم قوله: {وإن تنتهوا} وكان الضمير ظاهره العود على المؤمنين ناداهم وحرّكهم إلى طاعة الله ورسوله والظاهر أنه نداء وخطاب للمؤمنين الخلّص حثّهم بالأمر على طاعة الله ورسوله ولما كانت الآية قبلها مسوقة في أمر الجهاد.
قيل معنى أطيعوه فيما يدعوكم إليه من الجهاد، وقيل في امتثال الأمر والنهي وأفردهم بالأمر رفعًا لأقدارهم وإن كان غيرهم مأمورًا بطاعة الله ورسوله وهذا قول الجمهور، وأما من قال إنّ قوله: {وإن تنتهوا} خطاب للكفار فيرى أن هذه الآية نزلت بسبب اختلافهم في النفل ومجادلتهم في الحق وتفاخرهم بقتل الكفار والنكاية فيهم وأبعد من ذهب إلى أنه نداء وخطاب للمنافقين أي يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم وهذا لا يناسب لأنّ وصفهم بالإيمان وهو التصديق وليس المنافقون من التصديق في شيء وأبعد من ذهب إلى أنه نداء وخطاب لبني إسرائيل لأنه أيضًا يكون أجنبيًا من الآيات وأصل {ولا تولوا} ولا تتولوا، وتقدّم الخلاف في حرف التاء في نحو هذا أهي حرف المضارعة أم تاء تفعل والضمير في {عنه} قال الزمخشري لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ المعنى وأطيعوا رسول الله كقوله: {والله ورسوله أحق أن ترضوه} ولأن طاعة الرسول وطاعة الله شيء واحد من يطع الرسول فقد أطاع الله فكان رجوع الضمير إلى أحدهما كرجوعه إليهما كقولك الإحسان والإجمال لا ينفع في فلان ويجوز أن يرجع إلى الأمر بالطاعة {ولا تولوا} عن هذا الأمر وامتثاله وأنتم تسمعونه أو ولا تتولوا عن رسول الله ولا تخالفوه {وأنتم تسمعون} أي تصدّقون لأنكم مؤمنون لستم كالصمّ المكذبين من الكفرة انتهى، وإنما عاد على الرسول لأنّ التولي إنما يصح في حقّ الرسول بأن يعرضوا عنه وهذا على أن يكون التولي حقيقة وإذا عاد على الأمر كان مجازًا، وقيل هو عائد على الطاعة، وقيل هو عائد على الله، وقال الكرماني ما معناه إنه لما لم يطلق لفظ التثنية على الله وحده لم يجمع بينه تعالى وبين غيره في ضميرها بخلاف الجمع فإنه أطلق على لفظة تعظيمًا فجمع بينه وبين غيره في ضميره ولهذا نظائر في القرآن منها {إذا دعاكم} ومنها {أن يرضوه} ففي الحديث ذمّ من جمع في التثنية بينهما في الضمير وتعليمه أن يقول: ومن عصى الله ورسوله {وأنتم تسمعون} جملة حالية أي لا يناسب سماعكم التولي ولا يجامعه وفي متعلقه أقوال: أحدها وعظ الله لكم، الثاني: الأمر والنهي، الثالث: التعبير بالسماع عن العقل والفهم، الرابع: التعبير عن التصديق وهو الإيمان. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ} بطرح إحدى التاءين وقرئ بإدغامها {عَنْهُ} أي لا تتولوا عن الرسول، فإن المرادَ هو الأمرُ بطاعته والنهيُ عن الإعراض عنه، وذكرُ طاعتِه تعالى للتمهيد والتنبيه على أن طاعتَه تعالى في طاعة رسولِه عليه الصلاة والسلام {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} وقيل: الضمير للجهاد وقيل: للأمر الذي دل عليه الطاعة وقوله تعالى: {وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} جملةٌ حالية واردةٌ للتأكيد بوجوب الانتهاء عن التولي مطلقًا كما في قوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} لا لتقييد النهي عنه بحال السماع كما في قوله تعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى} أي لا تتولوا عنه والحال أنكم تسمعون القرآن الناطق بطاعتِه والمواعظ الزاجرة عن مخالفته أي سماعَ فهمٍ وإذعان. اهـ.